وسط الرياح

الوطنية شماعة الفساد الرياضي

عدد الزيارات: 2
ابو بكر 3

أبو بكر الطيب

كلمة تُرفع في وجه من يطالب بحقه، وتُشهر كسلاح أخلاقي لإسكات الجائع، وتبرير الصمت، وتغطية ما لا يُراد له أن يُرى.

اليوم لم يعد الأمر شبهة ولا همس مجالس، وإنما حقيقة تكشّفت:

الاتحاد السوداني لكرة القدم استلم أموالًا من الفيفا مخصّصة لدعم المنتخب الوطني مقابل مشاركاته القارية والإقليمية، ومع ذلك ظل اللاعبون يطالبون بمستحقاتهم، بدون مزايدة، ولأنها حق تعاقدي ووظيفة لا تطوّع فيها ولا منّة.

وهنا يجب أن نتوقف بوضوح: اللاعب الذي يمثل المنتخب ليس متطوعًا في منظمة خيرية، هو موظف يؤدي عملًا محددًا بعقد واضح، ومن حقه أن يتقاضى أجره كاملًا وفي موعده.

أما الوطنية، فهي قيمة معنوية سامية، لا تُدفع في شكل أقساط، ولا تُسدد بها الإيجارات، ولا تُعالج بها الأمهات المريضات.

عندما يتكلم الشارع… ويسكت الاتحاد

في الشارع الرياضي، كانت الصورة أبسط وأكثر صدقًا من كل البيانات:
• لو الفيفا دفعت واللاعب ما استلم، يبقى في زول خان الأمانة.
• الوطنية ما بتدفع فاتورة علاج.
• كل مرة اللاعب يطالب بحقه، يقولوا ليه وطنية… طيب القروش مشت وين؟

أسئلة مباشرة، بلا تذاكٍ ولا تجميل، لكنها للأسف تصطدم بجدار الصمت، أو بإعلامٍ اختار أن يكون شريكًا بالسكوت، لا شاهدًا بالحقيقة. إعلام يظهر فقط ليعظ اللاعبين عن الصبر والانتماء، ثم يختفي حين يُسأل عن المال العام وأين ذهب.

الفساد عندما يرتدي عباءة القانون

والأخطر من ضياع المال، هو المنهج.
عندما ندرك لماذا يتكالب البعض على دخول مجالس إدارات الاتحاد، ولماذا تُفصَّل القوانين على المقاس، ولماذا يُقصى كل من لا ينسجم مع “توازن السيطرة”، نفهم أن القضية ليست مستحقات لاعبين فقط، ولكنها منظومة تحصين للفساد.

مجالس تُصنع لا لتخدم اللعبة، ولكن لتحمي نفسها.
لوائح تُكتب لا لتنظم، وإنما لتمنع المساءلة.
ومناصب تُطلب لا شغفًا بالكرة، ولكن لأنها بوابة حصانة.

وهنا المفارقة المؤلمة:
كثير ممن تورطت أسماؤهم في هذه الملفات يحملون ألقابًا أكاديمية رفيعة. دكتور، أستاذ، خبير.
كأن العلم صار زينة، لا رادعًا أخلاقيًا.
كأن المعرفة لم تعد تمنع أكل الحرام، ولكن ربما أتقنته.

الوطنية ليست غطاءً

الوطنية لا تكون أبدًا على حساب الضعفاء.
ولا تُستدعى فقط حين يطالب اللاعب بحقه، بينما تغيب حين تُهدر الأموال، وتُغلق الدفاتر، وتُدفن الحقائق.

إن تحويل الوطنية إلى شماعة يُعلّق عليها الفساد، هو أخطر ما يمكن أن يصيب الرياضة.
لأنه يقتل القيم مرتين:
مرة حين يُسرق المال،
ومرة حين يُستعمل الشعار النبيل لتبرير السرقة.

وقبل الختام: –
من يخاف على الوطن، لا يسرق باسم الوطن.
ومن يحترم شعار الوطن، لا يُجوّع من يرتديه.
ومن يدّعي الوطنية، أول ما يفعله هو احترام القانون، وصون المال، وحفظ كرامة الإنسان.

واهلك العرب قالوا: —

“الفسادُ ليس مجردَ سرقةٍ للمالِ العام، وإنما هو سرقةٌ لأحلامِ الناسِ ومستقبلِهم.”

نوم الاتحادات والأندية مصباح اللصوص في الاتحاد العام.
إذا كان السارق يكذب، فغنَى السرقة لا يكذب.

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..