تأهل المنتخب هزم التخطيط

أبو بكر الطيب
كثيرًا ما نكتب، وننتقد، وننصح، لا بدافع الخصومة،ولكن بدافع الخوف على الفكرة، لكنّ المأساة تتكرّر: لا حياة لمن تنادي.
غير أنّ كرة القدم بعنادها الجميل أحيانًا تتكفّل بالردّ نيابةً عنّا.
قبل أسابيع فقط، كتبنا—وبوضوح لا لبس فيه—عن إعلان الاتحاد السوداني لكرة القدم قيام الدوري الممتاز في 7 يناير، وقلنا يومها إن هذا القرار لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما، وكلاهما إدانة إدارية مكتملة الأركان.
الاحتمال الأول:
أن الاتحاد العام كان يعلم—أو يظن—أن المنتخب الوطني سيغادر البطولة القارية مبكرًا، كما جرت العادة،
وبالتالي لا حاجة لتعليق روزنامة،
ولا ضرورة لترك مساحة أمل،
ويكفي “شرف المشاركة” مرة أخرى.
وهو افتراض أخطر مما يبدو،
لأنه يعني غياب الثقة في المنتخب واللاعبين،
ومعرفة مسبقة بحدود الطموح… والرضا بها.
الاحتمال الثاني:
وهو الأكثر واقعية للأسف،
أن الاتحاد السوداني لا يملك أصلًا روزنامة محترمة،
ولا ثقافة تخطيط،
ولا تنسيقًا حقيقيًا بين لجنة المسابقات والمنتخبات الوطنية.
قرارات تُتخذ بمعزل عن الواقع،
وتواريخ تُعلن دون حساب للتبعات،
وكأن المنتخب الوطني كيانٌ عابر لا يستحق أن يُبنى عليه برنامج دولة كروية.
وقلنا يومها بوضوح:
كيف يُعلن عن بداية دوري ممتاز،
وفي ذات التوقيت هناك لاعبون أساسيون
يمثّلون السودان في بطولة قارية؟
كيف سيخوض هؤلاء الدوري؟
وبأي عدالة؟
وبأي منطق فني أو قانوني؟
ثم… جاءت المفارقة التي لا ترحم.
فوزٌ واحد فقط
كان كافيًا ليقود المنتخب الوطني السوداني
إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية.
فوزٌ واحد
نسف كل الحسابات الباردة،
وخيب ظنون الاتحاد ذاته قبل أن يخيب ظنون خصومنا.
المنتخب نجح…
لكن الاتحاد فشل ووُضع في الزاوية.
وهنا، لا بد من السؤال الذي لا مفرّ منه:
إذا كان المنتخب قد تأهل،
وإذا كانت الظروف—للمرة الأولى منذ سنوات تبتسم وتخدم المنتخب ولا يخدمه اتحاده،
فماذا سيفعل الاتحاد السوداني الآن؟
وماذا ستفعل لجنة المسابقات؟
هل ستُراجع قرارها؟
هل ستُعيد جدولة الدوري؟
هل ستعترف بأن الإعلان المتعجّل كان خطأً إداريًا؟
أم ستُصرّ على المكابرة،
وتحمّل الأندية واللاعبين ثمن فوضى لم يصنعوها؟
المؤلم في المشهد
أن المنتخب الوطني—كعادته—قاتل بإمكانات محدودة،
ودعم ضعيف،
وتخطيط شبه غائب،
ومع ذلك نجح.
نجح رغم عن الاتحاد لا بفضله.
وهنا مربط الفرس.
الاتحادات القوية
تبني روزنامتها حول المنتخب،
وتعتبره مشروعًا وطنيًا.
أما عندنا،
فالمنتخب يُعامل كضيف ثقيل
يجب أن لا يعطّل جدول الدوري،
ولا يغير قرارات لجنة المسابقات.
إن ما حدث ليس “سوء حظ”،
ولكن سوء إدارة مزمن.
وما لم تُستخلص الدروس الآن،
فإن هذا التأهل—رغم فرحته—
سيُهدر كما أُهدرت فرص كثيرة من قبل.
نطالب فقط
بـ تخطيط محترم،
وإدارة تحترم المنتخب،
وتؤمن بأن التفاؤل ليس جريمة،
وأن النجاح لا يُدار بعقلية الهروب المسبق.
واهلك العرب قالوا:
من لم يُحسن التدبير، أفسدته المصادفة ولو كانت في صالحه.
ولا يغرك حظ جره خرق***
فالخرق هدم ورفق المرء بنيان
الحظ العاثر يمهد لحظ سعيد، و الحظ السعيد يمهد لحظ عاثر و هكذا إلى ما لا نهاية ،
والله المستعان
