الرأي

إدارة الأمر الواقع ومجلس الوضع الراهن

صوفي أبو سمرة تكتب لـ “الصّفوة”

كُتِب علينا عشق وطن داخل وطن، يتنازعان فينا الروح والعصب، يتأذى الوطن الأم فنموت نحن يترنح الوطن الإبن فنفقد معه التوازن، وبين هذا وذاك ترهقنا محاولات التماسك والصمود، للعودة للحياة وللشغف من جديد، ولأنه مريخ السودان الإبن البكر والبار جدًا، جاء تداعيه مع وجع الوطن متخطيًا مجرد السهر والحمى، فالوطن ينزف والمريخ يشاركه النزيف والتصدع، متفاعلًا مع كل أنّة حرّى يزفرها صدر الوطن الجريح.
ولأن أنّات البلد هذه المرة كانت عميقة وموجعة، تأثر المريخ على مستوى الإدارتين التنفيذية والفنية، فالوطن يعاني والمريخ يعاني “الأمرَّين”، وإن الذي بين يدينا مريخ تحت إدارة “طوارئ” أو إدارة أمر واقع أو سمها ما شئت، مريخ مسلوب الإرادة منزوع العظم والدسم.
كنا بعيدين عن أحداث النشاط الرياضي، لأن ما يعانيه الوطن من ويلات حرب مفروضة عليه، انتهكت مقدراته وحقوق إنسانه وأنهكت موارده ومعيناته وعصفت بكل مكتسباته، يُبقي تناول خبر رياضي أو متابعة حدث رياضي، ضرب من الرفاهية في زمن الحرب والنزوح.
ولكنه المريخ وعشقه، ما إن حان وقت الإستحقاق الإفريقي في البطولة الكبرى لرابطة الأندية الأبطال، صحونا بغتة من غفوتنا نتساءل عن الزعيم وإعداده واستعداده، وعن جاهزيته وعدته وعتاده وموقفه التحضيري، لخوض جولات الأدوار الأولى للبطولة، من لعيبة وملعب وجهاز فني خبير وطاقم إداري محنك، ونتفاجأ بتغيير كبير وجذري في تشكيلة الفريق وفي المنطقة الفنية وعلى المنصة الإدارية، في الوقت الذي كان ينتظر فيه جمهور المريخ عمليتي إحلال وإبدال بتوجهات فنية وحسب حاجة الفريق، مع دعم الفريق بعنصر الشباب مع الإبقاء على عناصر الخبرة ومدير فني قدير وطموح، فإذا بهم أمام عملية تشليع كبرى إن جاز التعبير، جرّدت المريخ من أهم عناصره الفعالة، وكانت النتيجة خروج متوقع من الأدوار الأولى، ولأول مرة من مواسم خلت لا يتواجد المريخ في دور المجموعات.
وبذات السيناريو الحزين، فقد المريخ البطولة الخاصة أمام الند الهلال في ديربي السودان بموريتانيا، وفقد يومها اللون والنكهة والروح المميزة للزعيم والحضور فكان صيدًا سهلًا، ليحقق الهلال نصرًا مقدمًا على طبق من فشل إداري فني، وهو الذي كان يشاركه السوء في ظروف غير متكافئة ولا عادلة من حيث الإستقرار الإداري والفني.
الوضع الراهن في المريخ بقيادة هذا المجلس، واقع لا يرضي انصاره الخلص، مع إدارة فنية عقيمة لا تلبي طموح ولا تحقق غاية، والإصرار على استمرارها تضر بالمريخ وتفقده المزيد من المميزات إن بقيت هناك مميزات، فاستجلاب مدير فني بسيرة ذاتية متواضعة جاب القارة طولًا بعرض، ودرّب العديد من الأندية الإفريقية والعربية لبضعة أشهر وغادرها بلا إنجاز يذكر، خطوة إدارية لمجلس متواضع الفكر والإمكانات.
مجلس إدارة أتى بالإيطالي جيوفاني سوليناس الضعيف القدرات فقير الموهبة قصير النظر، والذي يفتقد للرؤية الفنية الثاقبة والمعرفة الكافية بالفرق التي يأتي ليديرها فنيًا معتمدًا على لجنة فنية صورية، فمن يستغني عن الحارس محمد المصطفى أو يوصي بالإستغناء عنه، أو يوافق على قرار الإستغناء عن حارس المنتخب الأول، والفريق مقبل على استحقاقات كبيرة، عليه أن يراجع عقليته الإدارية والفنية وعاطفته تجاه الكيان.
ومن يوصي بالإستغناء عن كرشوم، ويمهد الطريق للاعب يعتبر صانع اللعب الأول في البلد مثل التش، ولاعبين مثل بخيت خميس والتاج يعقوب بعدم التجديد لهم، وهو إداري أو فني أو حتى مشجع مؤثر يحسب علي الكوكب الأحمر عليه أن يتحسس مرّيخيّته، ويرى بشفافية موضع قدميه وأين يقف من مصلحة الكيان.
ومن يريد أن يبني فريقًا قويًا يقارع به في البطولات الكبرى، لا يستغني عن تشكيلة كاملة أو ما يزيد من عظم ومفصل الفريق، ولا يستبدل عنصر جيد بآخر أقل قيمة ولا السيئ بالأسوأ منه، تحت أي مسمى من مسميات الحيل الإدارية البائسة والمستهلكة، ومداراة الفشل تحت “فرية” الإنضباط أو ضبط الصرف، أو دغدغة طموحات الجمهور بوعود إعادة بناء الفريق اعتمادًا على عنصر الشباب والمحترفين المؤثرين، فلا “طال” المواهب الشابة ولا المحترفين الأجانب المميزين .
وأي بناء هذا الذي يقوم بلا دعائم ولا أعمدة أساسية؟! كيف يقوم ويستقيم ويرتفع بناء بدون ركائز وأساس متين؟ حتمًا سيتهاوى وينقض على نفسه وعلى رأس بانيه، وعلى رؤوس جماهير صابرة مكتوية بنار الإدارات المتسلقة والإداريين الهواة المغامرين، والقادمين من الظل والعدم كل فينة والأخرى ليعتلوا كرسي إدارة أكبر نادي في البلد لإجراء التجارب على قفاه.
نحن لا ننتقد الشخوص ولا الأسماء، ولا ننتهج المعارضة المفتوحة لمجرد أننا ذات يوم كنا أنصارًا لمجلس أسبق “كنا نرى فيه كل الخير للمريخ لو تركوه يعمل”
ولا ننتقد حتى نثبت أننا ضد أي رئيس ياتي من بعده للمريخ، نحن ننتقد الفعل الإداري الذي يورد المريخ موارد الضياع.
ننتقد الانفراد والاستبداد بالرأي، حتى وإن رأى الجميع إنَّ هذا الرأي يجانبه الصواب ويفتقد للحكمة، ولا خير في إداري مجرب استنفد فرصه وأثبت فشله، ولا رجاء لنا في إداري مغمور يكشفه أول قرار مرتجل أو موقف متخبط.
فالمريخ منظومة كاملة، تبدأ من القاعدة الجماهيرية العريضة جدًا بكل مكوناتها ومختلف فئاتها وتباين ألوان طيفها، ما بين العقلاء والحكماء والإداريين الأفذاذ السابقين وقدامى اللاعبين والمشجعين المعتّقين، الذين بجانب هذا كله يدفعهم حب المريخ للتفكير بروية، والنظر بمنظار عشق المريخ الذي عادة وغالبًا ما يقودهم لمصالح المريخ المطلقة والخالصة.
من يتجاوز كل هؤلاء ويصر على “ارتكاب” قرارات مدمرة، تجرد المريخ الزعيم من أسلحته التي يقارع بها في ساحات التنافس.
نسن له أقلامنا نقدًا وتبصرة، ونعلي أصواتنا الرافضة قدحًا وذمًا، ونصطف في الجانب الآخر مطالبين بأن اتقوا الله وضمائركم، في كيان وجدتموه غرة في جبين الوطن بما يملك من نجوم هي الأفضل في الساحة، بدليل أن المنافس يتهافت عليهم ويبذل كل غالي ونفيس، من أجل الظفر بتوقيعاتهم في صفوفه، وإنه يتحين الفرص ويحتال على ذلك بابتكار الأساليب المشروعة وغير المشروعة الواحدة تلو الأخرى، ليكسب نجمًا يصنع له الفارق مقتنعين بقدراته وموهبته، والمحير والمؤسف إن الكل يرى في النجوم الذين غادروا كشف المريخ بشتى الطرق واختلاف أسباب المغادرة، الكل يرى فيهم نجوم تستحق المصادمة والاستماتة، من أجل أن تبقى بالكشف لمواسم قادمة، وأن تظل عناصر خبرة لا غنى عنها، مهما اعتمد الفريق على عنصر الشباب وانتهج سياسة التجديد.
فالحارس محمد المصطفى الذي غادر بالبيع إلى فريق عزام التنزاني، وبخيت خميس والجزولي نوح للأهلي الطرابلسي، وعبدالرحمن كوكو الأساسي بالمنتخب استغناء بقرار فني، وكرشوم والتش بعدم التجديد.
التكت والتاج يعقوب وصلاح نمر وأحمد بيبو وآخرين، استغناء من مدير فني جاء لتوه ولم تتسنى له معرفة نجوم الفريق، ولم يقوم بتجارب حقيقية لتعطيه التقييم الأمثل، ليرفع بعدها توصيته بمن يبقى ومن يذهب.
في عملية إحلال وإبدال بمثابة مجزرة جُرّد بها المريخ من عناصر تفوقه، بمباركة تامة من مجلس إدارة جاء لحكم المريخ في زمن الفجيعة، حين غفلة من أهل المريخ وانشغالهم بقضية الوطن الوجودية ولنا عودة.
اللهم أنصر قواتنا المسلحة نصر عزيزٍ مقتدر، اللهم سدد رميهم وثبت أقدامهم وانصرهم على كل معتدٍ أثيم مرتزق عميل.
اللهم إنّا استودعناك بلادنا وأهلها، أمنها وأمانها، نيلها وبحرها، زرعها وضرعها، جبالها ووهادها، سهلها ونجدها، رهودها وحدودها اللهم إنك لا تضيع عندك الودائع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: محمي ..