هدده وخوفه
أبو بكر الطيب
من الأمور المعيبة والخادشة للشرف والرجولة، أن يقف شخص مهددًا متوعدًا غيره وهو فعل ينذر بقدوم الخطر، وهذا الوعد والوعيد لا يصدر إلاّ من شخص يشعر بالعجز والضعف، والرغبة في السيطرة على من حوله لما ينتابه من خوف وقلق بفقدهم، من شخص يشعر بنقص في التواصل والتفاهم مع مجلسه ولاعبيه، لذلك يُدخل نفسه في حيز الصراعات والخلافات، ويدون اسمه في صفحات التاريخ بالإساءة لنفسه كرئيس قبل أن يسيء للآخرين.
إذا كنت تشعر بالخوف وبدأت ثقتك تتزعزع في نفسك، وكثرت عليك الضغوطات للدرجة التي تدهورت فيها علاقتك حتى مع اللاعبين، مع زيادة التوتر والضغط النفسي الذي ينعكس سلبًا على الأداء والسلوك والروح العدوانية، التي تم التعبير عنها بكل صراحة بلغة الوعيد والتهديد، لكل من تسول له نفسه الاقتراب من خطوط الريس الحمراء، مستدلًا بقوله تعالى “سأبدلكم بأقوام آخرين”، وفي هذه الآية الكريمة خطأ واضح، ولكن سنتجاوزه لأنه قد يكون خطأ كيبورد، ولكن الخطأ الأكبر يكون في المعنى المقصود من ذكر هذه الآية وهو العقاب الذي سيلحق بالمحرشين، فهل يا ترى وُفِق السيد الريس في اختياره لهذه الآية؟ حتى وإن تم تصويبها وتصحيحها من الخطأ المصاحب لها، ألم يجد السيد الريس غير آية الوعيد ليخاطب بها المخالفين والمختلفين معه، ألم يقرأ قوله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}، أيهما كان يستحق الوعيد والعذاب فرعون واتباعه؟ أم طغاة السيد الريس ومخالفيه الذين توعدهم بالحساب والعقاب؟
العقلاء الذين يتولون المواقع المرموقة لا يتوعدون غيرهم، بل يدركون أن العفو يدخل السرور ويريح النفس من العداوات، كما قال الإمام الشافعي حيث قال:
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ
أرحتُ نفسي من همَّ العداواتِ
إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِهِ
لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ
على من أصبح عزيز المريخ أن يفعل كما فعل عزيز مصر، حيث قال لاخوته: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
إن السادة والقادة غالبًا ما يصفحون ولا ينتصرون لذاتهم، ولا يدفعون السيئة بالسيئة ولكن يعفون ويصفحون، وهذه هي شيمة القائد الواثق بقدراته.
وأهلك العرب قالوا:
ولا أحْمِل الحِقدَ القديمَ عليهمُ
وليس رئيسُ القومِ مَن يحمل الحِقدا
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ
وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ
والله المستعان.